قطع العلاقات بين الجزائر والرباط قد "يكسر" المغرب العربي لزمن طويل

اثنين, 09/27/2021 - 21:49

تتواصل العلاقات المغربية الجزائرية في التأزم. فإضافة إلى قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في 24 آب/أغسطس الماضي، أعلنت الجزائر في 22 أيلول/سبتمبر إغلاق مجالها الجوي فوريا أمام كل الطائرات العسكرية والمدنية المغربية، وبررت في بيان رسمي قرارها بمواصلة الرباط "استفزازاتها وممارساتها العدائية" بدون توضيح طبيعة هذه "الاستفزازات".

ولفهم أبعاد الأزمة الجزائرية المغربية وتداعياتها على منطقة المغرب العربي، يشرح بيير فرميرن الأسباب التي تقف وراء التوترات.

فرانس24: العلاقات بين البلدين كانت دائما مضطربة. كيف تفسر عودة التوتر إلى التفاقم في الآونة الأخيرة؟

بيير فرميرن: عندما أعلنت الجزائر قطع علاقاتها الدبلوماسية مع الرباط في نهاية شهر آب/أغسطس الماضي، فسر وزير الخارجية الجزائري رمتان لعمامرة ذلك بوجود أسباب عميقة أدت ببلاده إلى اتخاذ مثل هذه الخطوة، تعود حسب قوله إلى العام 1963. يجب أن لا ننسى أن النزاع بين البلدين نزاع معقد ومتجذر منذ زمن طويل على  خلفية مسألة السيادة على الصحراء الغربية، ورغبة كل من البلدين بفرض نفسه كأكبر قوة إقليمية.

لكن إذا بحثنا عن الأسباب الفورية التي أدت إلى نشوب الأزمة، نرى أن التوقيع على "اتفاقيات إبراهيم" في خريف 2020 بين المغرب وإسرائيل، إضافة إلى الولايات المتحدة وبعض دول الخليج (الإمارات العربية المتحدة والبحرين)، ساهم بدون شك في تذكية النار. وبموجب هذا الاتفاق تعترف واشنطن بـ"مغربية" الصحراء الغربية، ويمثل ذلك للجزائر "داعيا كافيا للحرب". خاصة وأن المغرب سجل في السنوات الأخيرة عدة نقاط على مستوى الدبلوماسية معززا مكانته على الساحة الدولية في حين ظلت الجزائر على الهامش.

كما زادت قضية "بيغاسوس" الطين بلة إذ قد تكون الرباط قد تجسست على هواتف العديد من المسؤولين الجزائريين عبر استخدام برنامج معلوماتي إسرائيلي، وهو كفيل بتأجيج الغضب إزاء تطبيع العلاقات الإسرائيلية المغربية.

هل لعب الوضع الداخلي في الجزائر دورا في هذا التصعيد بين البلدين؟

طبعا، فالجزائر تعيش حاليا مرحلة انتقالية. الحكومة في حيرة أمام كيفية التعامل مع الحراك الشعبي الذي ظهر في شهر فبراير/شباط 2019 والذي بات من الصعب أن نتنبأ بتطوراته المستقبلية بعد السبات الذي نتج عن جائحة كوفيد-19. فبقطع علاقاتها مع المغرب، تلعب الجزائر على حبال قومية قديمة تتمثل غالبا في إيجاد كبش فداء لصرف النظر عن المشاكل الداخلية وتوجيهه نحو عدو خارجي مشترك لكل الشعب. وفي نفس السياق اتهمت الجزائر المغرب بأنه على علاقة بالمسؤولين عن إشعال الحرائق في منطقة القبائل (شمال شرق الجزائر) في آب/أغسطس الماضي وهو ما ساهم في تفاقم الأزمة بين البلدين.

هل يمكن أن يصل البلدان إلى مواجهة عسكرية؟

لم يشهد البلدان مواجهة عسكرية مباشرة منذ 1963. لكن في حال استمر الوضع على حاله، هناك إمكانية لأن يحصل هذا الأمر لكن سيكون مأسويا. وخصوصا، لا أحد يريد ذلك، لأنه لا يخدم مصالح الجزائر ولا المغرب ولا شركائهما الاقتصاديين. مع ذلك، تدور بعض الشائعات حول وقوع مناوشات عسكرية على الحدود، تظل ممكنة، نحو معبر "فغيغ" قرب بشار أو في الصحراء.

العلاقات بين البلدين كانت في حدها الأدنى، فما للقرار الجزائري أن يغير فعليا في التبادلات؟

العلاقات بين البلدين كانت محدودة جدا، خاصة مع وباء كوفيد-19. الحدود البرية مغلقة منذ 1994 والتبادلات التجارية كادت أن تكون منعدمة، عدا عمليات التهريب. فأهم تداعيات تجدد التوتر يمس مجال الطاقة، وبالتحديد خط أنبوب تزويد الغاز الذي ينطلق من الجزائر إلى أوروبا مرورا بالأراضي المغربية. فهذا العقد بين الجارين سينتهي قريبا، وبالرغم من أن الجزائر لم تعلن رسميا عن ذلك، إلا أنها لمحت مرارا بأنها تفكر في إيجاد صيغة جديدة لتزويد أوروبا بالغاز بدون المرور بالأراضي المغربية. وإذا حدث ذلك، فسيعني نهاية أكبر الشراكات الاقتصادية الهامة بين البلدين.

ما هي الانعكاسات التي يمكن أن تطرأ على المنطقة في حال استمر التوتر؟

 

منطقة المغرب العربي هي الخاسر الأكبر في هذه القصة كونها ستتحول تدريجيا إلى قوقعة خالية. فالجزائر تدفع المغرب إلى التخلي عن المغرب العربي وإيجاد حلول أبعد في أفريقيا وفي روسيا والصين والشرق الأوسط. وتبدو الرباط قد تخلت اليوم عن فكرة السياسة الإقليمية للتوجه إلى الدولية وهذا أمر مؤسف بالنسبة إلى التوازن في المنطقة.

كيف يتموقع المجتمع الدولي بالنسبة لهذه الأزمة وبالخصوص فرنسا؟

المجتمع الدولي يلتزم بأغلبه الصمت حتى الآن. إسرائيل ردت الفعل لتساند المغرب في حين لم يعبر الشركاء المباشرون للبلدين عن مواقفهم.

أما بالنسبة لفرنسا فالأمر معقد جدا إذ أن المغرب العربي هي المنطقة التي تملك فيها التأثير الأكبر بعد أوروبا. وهي الآن تشاهد هذه المنطقة "تتصدع" تحت أنظارها. فرنسا في مأزق: هي مرغمة دائما للسعي إلى الحفاظ على علاقات متوازنة مع كل من القويتين فلا يمكن لها أن تتشوش مع أي منهما.

سيرييل كابو/ طاهر هاني