الواقع العربي والقرن الواحد والعشرون.. في «ومضات على الطريق» الجزء الأول

ثلاثاء, 11/26/2024 - 15:23

 

ناقش المفكر العربي علي محمد الشرفاء الحمادي، الواقع العربي وحال القيادات السياسية؛ مطلع القرن الواحد والعشرين، وما يمثله من تحديات، و أعرب عن قلقه أن تقف الأمة العربية حيالها موقفًا يزيد من معاناة أبنائها ويضيف إليها مزيدًا من الكوارث.

ونعرض في هذا المقال مقتطفات من كتاب «ومضات على الطريق» الجزء الأول بعنوان «دراسات مشاريع حلول لمواجهة المستقبل العربي»، للمفكر العربي علي محمد الشرفاء الحمادي، الصادر عن «مؤسسة رسالة السلام للأبحاث والتنوير».

ومضات على الطريق.. مشاريع حلول لمواجهة المستقبل العربي

جاء في الكتاب..

لقد تشرفت الأمة العربية برسالة إنسانية سامية، حملها ابن من أعظم أبنائها وأشرفهم نسبًا ومكانةً، محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم ، فحمل راية التوحيد ودعا لتحرير الإنسان من كافة أشكال العبودية، ووضع أُسس لحياة متحضرة راقية مبنية على قيم سماوية سامية؛ أولها العدل وآخرها الرحمة، وبينهما تعاليم أخلاقية متصلة بعضها ببعض لبناء المواطن الصالح.

وما قررته الرسالة السماوية من نصوص واضحة وأوامر إلهية لا تقبل الجدل في وضع أسس جلية من أجل حقوق الإنسان وتحريره من كل ما يعيق حركته في حياة كريمة، سواء في اختيار دينه، أو أسلوب حياته بشرط ألاّ يترتب على سلوكه ضررٌ لنفسه أو لغيره.

رسالة إنسانية سامية… القرآن الكريم

تلك مبادئ السلوك الحضاري في طريقة التعامل بين الإنسان وأخيه الإنسان. حيث نقرأ في القرآن الكريم ونستلهم منه أكمل صور الحوار وأعظمها بين الخالق سبحانه وملائكته، وبين الخالق وعباده، دون بطش أو مصادرة لرأي. يعلمنا سبحانه كيف يكون الحوار الذي يخاطب العقل بالمنطق تارة وبالأمثال تارة أخرى؟، ويطلعنا على النتائج من خلال العرض الرائع لأحداث من سبقتنا من الأمم لنتلافى أخطاءهم، حتى يأمن الطريق الذي نسير فيه.

ومن هذا المنطلق فإن الأمة العربية كانت سباقة لكل الأمم في طرح أسلوب الحوار الهادف؛ طريقًا لتحقيق مصلحة كل الأطراف، وتوفيرًا للجهد والمال والدم، وعلاجًا لموقف أكثر خطورة من خلافات وجهات النظر، أو مشاكل الحدود بين القادة العرب؛ والتي تكاد أن تنسف ما تبقى من روابط الأخوة وتقطّعُ أواصر العروبة، وروابط المصير المشترك.

الصورة الحضارية المستمدة من الدين الإسلامي

وعلينا أن نبرز الصورة الحضارية المستمدة من تعاليم ديننا الحنيف وقيمِهِ في التعامل فيما بين أمتنا العربية؛ حيث أن على كل واحدٍ منا أن يتقدم إلى صاحبه بمد يد المودة والسلام، على أساس اتباع رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، واتباعًا للآية الكريمة: (ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (النحل: 125).

والآية الكريمة: (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ) (فصلت: 34).

الواقع العربي وحال القيادات السياسية

لقد أردت بهذه المقدمة أن تكون مدخلًا لمناقشة الواقع العربي وحال القيادات السياسية؛ استعدادًا لدخول القرن الواحد والعشرين، وما يمثله من تحديات، أخشى أن تقف الأمة العربية حيالها موقفًا يزيد من معاناة أبنائها ويضيف إليها مزيدًا من الكوارث؛ وذلك حينما لا تقوى على مواجهة أعاصير التطور الاقتصادي الذي بدأ يتشكل منذ سنوات عديدة، ممثلًا في كتلٍ سياسية واقتصادية واجتماعية، تدخل بقوة إلى عالم القرن الواحد والعشرين.

أين نحن من التكتلات العالمية؟

فأين نحن من ذلك؟ ها هو قرن يَنْسلُ أمام أعيننا بدون أن نستغلَّهُ، فمرت أيامه غير نادمة علينا؛ لأننا لم نستثمر طاقاتنا وإمكانياتنا كأمة واحدة، ونقوم بتطوير علاقاتنا بعضنا ببعض، لنحقق بها تكاملًا يجمع عناصر القوة، ويوظف كافة الوسائل المتاحة؛ لنتمكن من تحقيق الأمن القومي للأمة العربية اقتصاديًا وسياسيًا، ونحقق لكل مواطن العيش الكريم.

لقد كانت أيامنا معارك كلامية بدون هدف وبدون مصلحة -أيا كانت- وشعارات قومية بدون مضمون ولا عقيدة، ومصطلحات وزعت ألقابًا، وصَنَّفت شعوبًا، منها التقدمي ومنها الرجعي ومنها المتخلف. فضاعت آمال بسطاء العرب أمثالي في كل مكان؛ حيث كانوا يحلمون كل يوم بوحدةٍ تصون عزتهم، وتحقق أمنهم، وتطور معيشتهم، وتصد كيد أعدائهم، وتحقق لهم في مجتمعاتهم ما نصت عليه شريعة السماء من حقوقٍ تحفظ لهم كرامتهم وتدافع عن قناعتهم وكياناتهم.

الحوار المنطقي

لقد دخلنا القرن الجديد، وعلينا أن نعود إلى أسلوب الحوار المنطقي والهادئ الذي دعانا إليه الرسول الأعظم، حتى نستطيع أن نخرج من حالة التمزق والتشتت ونتحرر من الحلقة المفرغة والمفزعة. فكيف يمكن ذلك ؟

أولًا: لا بد من وضع ميثاق جديد تتحدد فيه العلاقات العربية بأسلوبٍ واضحٍ وملتزمٍ، مع تحديد صريح لواجبات كل دولة ، وما لها من حقوق، وما عليها من التزامات في وقت السلم، وكذلك في وقت الاعتداء على إحداها من خارج المجموعة العربية.

ثانيًا: وضع إطار لأسلوب التعامل فيما بين الدول العربية على أساس الاتصال المباشر والحوار المستمر لإنهاء أي خلاف. وأن تتم معالجته بالسرعة التي تجعل الأمر محصورًا بين القادة، منعًا لأية تداعيات تنعكس سلبًا على الشعوب، وتزيد من ابتعاد هذه الأمة عن أهدافها، وتساعد أعداءها على استغلال أية نقطة ضعف فيها.

تعديل ميثاق الجامعة العربية

ثالثًا: إعادة النظر في ميثاق الجامعة العربية، لتفعيلها وإعادة هيكلتها، بحيث تكون لديها القدرة على تحمل مسؤوليات الألفية الجديدة وما يتطلبه من مؤهلات وإمكانيات وسياسات تستوعب متطلباته؛ وذلك كما يلي:

يكون تعيين الأمين العام للجامعة دوريًا وحسب الحروف الأبجدية للدول العربية؛ ويتم ذلك كل ثلاث سنوات فقط، ولا يتم تجديدها. ومن ثم تتاحُ الفرصة لأمين آخر وبالتسلسل الأبجدي؛ لتأخذ كل دولة عربية فرصتها بأسلوب يضمن عدالة تداول منصب الأمين العام.

تشكيل محكمة عربية؛ تكون إحدى الدول العربية مقرًا لها، ويتم اختيار القضاة من خلال ترشيح كل دولة عربية لقاض من عندها، ثم يتم تعيين خمسة قضاة للمحكمة من خلال إجراء نظام الاقتراع بين الأعضاء المرشحين، ويتم تكرار ذلك الترشيح كل خمس سنوات.

تنظر المحكمة في القضايا الخلافية بين الدول العربية وترفع حكمها إلى مجلس الجامعة للمصادقة عليه، ويكون الحكم ملزمًا لكل الأطراف.

مجلس الأمن القومي العربي

إنشاء مجلس الأمن القومي العربي، ويُشكل من قادة القوات المسلحة في الدول العربية، وتكون له أمانة خاصة مقرها في الجامعة العربية، ويكون المجلس مسؤولًا عن تنفيذ ما يلي:

وضع النظم والإجراءات الكفيلة بتفعيل معاهدة الدفاع المشترك والموقَّعة من قِبل الدول العربية.

تحقيق الاتصال بالقيادات العسكرية في الدول العربية، والقيام بالتنسيق فيما بينها.

ترتيب التعاون بين القوات المسلحة في الدول العربية، وذلك من خلال إجراء المناورات السنوية ضمن برنامج مُعد لذلك؛ لكي يتمكن كل فريق من التعرف على نوعية السلاح عند الفريق الآخر، وتوحيد المصطلحات العسكرية، حنى يتم التوصل إلى تحقيق وحدة كاملة في النظم والمعلومات، والتواصل المستمر عن طريق تبادل الخبرات العسكرية بين الدول العربية .

وضع الخطط اللازمة لاتخاذ أية إجراءات عسكرية تتطلبها المصلحة القومية؛ سواء كانت للدفاع عن دولة عربية تعرضت للعدوان، أو التدخل لمنع الاشتباك بين دولتين عربيتين حدث بينهما خلافٌ قد يؤدي إلى صدامٍ؛ وبذلك نمتع العديد من الكوارث كانت قد حدثت في القرن العشرين.