
في زحام الفتاوى، وكثرة الأقوال، وتضارب المذاهب، وقف رجل مختلف يحمل في قلبه نور القرآن، وفي عقله همّ الأمة، إنه المفكر علي محمد الشرفاء الحمادي، الذي هو من أولئك الذين لم يرضوا بأن يُساق الناس إلى التشريعات من باب العادة أو التقليد، بل آمن أن للقرآن منطقًا، وللإسلام مقصداً، وأن الحق لا يُعرف إلا من مصدره الأصيل.
حين كتب المفكر علي الشرفاء، أسلوبه العقلاني كتابه "الزكاة.. صدقة وقرض حسن"، لم يكن يُعيد ما قاله السابقون، بل كان يحاول أن ينفض الغبار عن حقيقة أُخفيت، ومقصدٍ شُوّه، وركنٍ من أركان الدين حُوِّل من وسيلة للتراحم إلى حسابات دقيقة جافة لا تنبض بالحياة.
في رحلته مع النص القرآني، لم يجد علي الشرفاء ما يربط الزكاة بمرور الحول، ولا ما يحددها بنسبة بعينها من المال الراكد، بل وجد شيئًا أعظم،
وجد شراكة إلهية في المال، ووجد دعوة للإنفاق، ووجد "الخمس" أي 20% من المكاسب، كتشريع قرآني صريح في قوله تعالى:
واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه... (الأنفال: 41)
وفهم أن الغنيمة ليست مقصورة على الحرب، بل هي كل ما يكسبه الإنسان في حياته، في تجارته، في عمله، في استثماره، ومن هنا، انطلق بفكرٍ جديد، جرئ، لكنه متجذر في القرآن.
لم يكن علي الشرفاء بطرحه العلمي الرائع يبحث عن صدام، بل عن تصحيح، لا يُجادل العلماء لهدم، بل يناديهم لإعادة البناء.
كان يُذكّرهم أن الله وصف الزكاة بأنها قرضٌ حسنٌ، وأن من يقرض الله لا يخسر أبدًا، بل يُضاعف له، ويرزقه أضعافًا مضاعفة.
لم تكن دعوت المفكر علي محمد الشرفاء مجرد كلمات على ورق، بل كانت صرخة وعي في وجه أنظمة اقتصادية وفكرية رسّخت الفقر تحت غطاء الدين.
لقد أراد الشرفاء أن ينقذ الزكاة من البخل المقنّع، ومن الحسابات التي تعطل روحها، وتحرم الفقراء حقهم.
في كتاباته عن الزكاة يسير القارئ مع الشرفاء في رحلة روحية، عقلية، إنسانية. لا تشعر بأنك تقرأ كتابًا فقهيًا، بل كأنك تستمع لصوت نقيّ من أعماق القرآن، يدعوك للتدبر، ويحثّك على أن تعيد فهمك، لا لأنك مخطئ، بل لأنك تستحق أن تفهم الحقيقة.
إن المفكر علي محمد الشرفاء الحمادي ليس مجرد مفكر، بل صوت قرآني نقيّ في زمن التداخلات، وهو من القلائل الذين حملوا مشعل التجديد دون أن يتورطوا في صراع الأيديولوجيات أو مزالق السياسة.
وحق لنا أن نقول بصوت عالي إن ما قدّمه المفكر علي محمد الشرفاء الحمادي في هذا الكتاب ليس فقط طرحًا في الزكاة، بل منهجًا للتفكير، دعوة للعودة إلى القرآن كمرجع أعلى، وإلى جوهر الإسلام الذي جاء رحمة للعالمين، لا عبئًا على الفقراء ولا وسيلة لحماية الأغنياء من واجباتهم.