الإخوان والإلهاء عن فلسطين / بقلم الاستاذ والاعلامي البارز هشام النجار

ثلاثاء, 09/16/2025 - 23:03

 

فى قلب صراع الشرق الأوسط الممتد، تتبدى حقيقة راسخة ظلّت تتكرّر بأشكال متغيّرة؛ جماعة الإخوان لم تكن يومًا حركة إصلاحية بريئة، بل أداة وظيفية فى مخطط أوسع لإعادة تشكيل المنطقة، مخطط صاغته مراكز القوى الاستعمارية، ودعمه الاحتلال الإسرائيلى، وتبنّته دوائر غربية تبحث عن تفكيك الدولة الوطنية العربية. تعود جذور الفكرة إلى خمسينيات وستينيات القرن الماضى، حين اطّلع الرئيس جمال عبدالناصر على وثيقة خطيرة عُرفت آنذاك بـ«خنجر إسرائيل»، تكشف عن أطماع تل أبيب فى تقسيم المنطقة إلى دويلات طائفية ومذهبية. الوثيقة لم تكتفِ برسم خرائط تقسيمية، بل أشارت إلى أدوات داخلية يمكن توظيفها لإضعاف الدولة الوطنية، وفى مقدمتها جماعة الإخوان. ولهذا لم يتردد ناصر فى التعامل مع الجماعة بحسم، بعدما أيقن أنها لم تكن مجرّد جماعة دعوية، بل رأس حربة لمخططات تتجاوز الداخل إلى مشروع إقليمى مدعوم من الخارج. فى ثمانينيات القرن العشرين، أعيد تشغيل الجماعة فى مسرح مختلف (أفغانستان)، تحت لافتة «الجهاد ضد السوفيت» حيث جرى حشد آلاف الشباب العرب والمسلمين بعيدًا عن قضيتهم الأولى فى فلسطين، لقد كان عبدالله عزام (الإخوانى الفلسطينى) أحد أبرز منظّرى الإخوان، العرّاب الفكرى لتلك التعبئة، هكذا تحوّل الاحتلال السوفيتى إلى شماعة أيديولوجية مكّنت الغرب من تحقيق هدف مزدوج (استنزاف الاتحاد السوفيتى فى معركة طويلة، وإلهاء العرب والمسلمين عمّا تمارسه إسرائيل على الأرض من تهويدٍ ممنهج، وقضمٍ للمناطق، وتمددٍ استيطانى، بما جعل القضية الفلسطينية تنحدر إلى مرتبة أدنى فى سلّم الأولويات. مع مطلع العقد الثانى من الألفية، عادت الجماعة إلى الواجهة عبر ما سُمّى (الربيع العربى).فجأة وجدت الجماعة نفسها على مقاعد الحكم فى مصر وتونس وليبيا، وسارعت إلى اقتحام مفاصل الدولة وفتح أدراج الملفات الحساسة الأمنية والعسكرية والاقتصادية وتسريب ما يخدم حلفاءها فى الخارج، وما أعقب تلك الثورات من فوضى عارمة وانتشار للميليشيات والتنظيمات التكفيرية فى العمق العربى، كشف أن الهدف لم يكن الإصلاح أو الحرية، بل تفكيك البنية العربية وإضعافها لمصلحة المشاريع العدائية الخارجية. كان المخطط واضحًا؛ تفكيك الجيوش الوطنية، ضرب المؤسسات السيادية، وتفريغ الدول من الداخل بما يسهّل عملية إعادة رسم الخرائط التى حملها المسئولون الإسرائيليون فى مؤتمرات ومراكز أبحاث منذ التسعينيات. اليوم، ونحن نعيش تداعيات «طوفان الأقصى» وما تلاه من تصعيد دموى فى غزة، تعود الجماعة لتلعب دورها القديم ولكن بثوب جديد، من مقارها فى الخارج تطلق حملات دعائية تستهدف مصر تحديدًا، محاولة إلصاق تهمة التقصير بالدولة المصرية فى ملف غزة، تنسّق تحركات أمام السفارات وتدير منصات رقمية تروّج شائعات عن فتح المعابر وإغلاقها، وتعمل كذراع إعلامية مكملة لآلة التضليل التى تمنح إسرائيل الغطاء لمواصلة جرائمها. فى تصريحات معلنة أكثر من مرة، لم يتردّد مسئولون إسرائيليون فى الإشارة إلى أن إعادة تشكيل المنطقة يتطلّب توظيف ما سُمّى بـ«الإسلام السياسى» لإدارة مرحلة انتقالية، والقراءة المتأنية تكشف أن المقصود كان الإخوان بالدرجة الأولى، (واجهة إسلامية) تمنح شرعية شعبية شكلية، بينما تُمرَّر الخرائط من وراء الستار. وقد وجدت هذه الرؤية صداها أيضًا فى واشنطن؛ إذ رُوّجت منذ منتصف العقد الأول من الألفية أطروحات عن إمكانية الاعتماد على (الإسلام السياسى) كجسر لإعادة دمج المنطقة، وهو ما انعكس فى أطروحة كوندوليزا رايس حول الفوضى الخلّاقة عام 2005، وفى دراسات إسرائيلية لاحقة اعتبرت صعود الجماعة فرصة لتسويق مشروع الشرق الأوسط الجديد. المرحلة الحالية تمثل استمرارًا لهذا المخطط بأدوات مُعدّلة؛ فالجماعة، التى فقدت حضورها الميدانى داخل مصر ومعظم الدول العربية، تحاول التعويض عبر «حرب رمزية» تقوم على الشائعات والحملات الإعلامية والتحريض الدولى.